ثمة أزمة روحية من الصعب تعريفها في أنحاء الولايات المتحدة، تظهر من ارتفاع معدلات الاكتئاب، وزيادة مشكلات الصحة العقلية. وأكد استطلاع أجراه مركز «بيو» للأبحاث في نهاية العام الماضي هذه الحالة. وطلب «بيو» من الناس وصف الأشياء التي تجعل لحياتهم معنى. لكن عدداً صادماً من المستطلعة آراؤهم وصفوا حياتهم بقنوط شديد.
فقال أحدهم: «إنني لم أعد أجد شيئاً له معنى ولا شيئاً يتحقق ولا مرضياً، وأي شيء كان يعطي معنى لحياتي قد انتهى، وأنا الآن أكافح لأجد أي دافع يبقيني على قيد الحياة».
وقال أميركي من أصل أفريقي: «من الجيد أن أعيش وفقاً لما أنا عليه كإنسان، وليس وفقاً للون بشرتي الأسود، ولا أعرف كيف يمكن أن تكون الحياة مفيدة بسبب ذلك». واعتبر آخر أن الحياة قاتمة ولم يعد يتحملها.
وتقول امرأة أميركية: «لا أشعر بأي رضى عن حياتي، فأنا أم وربة منزل، وحياتي عبارة عن فوضى وملل بلا أفق».
ويكشف استطلاع «بيو» أن مجموعة كبيرة من الأميركيين سقطوا في الفخ الاقتصادي، وهم يعانون من ندرة اقتصادية وأيضاً اجتماعية وروحية في آنٍ واحد. ولم تكن الصداقة على الأرجح مصدراً يعطي معنى للحياة بالنسبة للأشخاص الأقل تعليماً، وكذلك ممارسة الهوايات أو التعليم أو حتى الصحة الجيدة والاستقرار.
وبشكل عام، عندما وصف الأميركيون المصادر التي تعطي معنى لحياتهم، تشبثوا بالمنزل. فنحو 70 في المئة اعتبروا الأسرة هي مصدر المعنى للحياة، تلتها الحياة المهنية، وكسب المال، وممارسة الروحانية أو الإيمان. وقال 11 في المئة فقط إن التعليم يضيف معنى لحياتهم. بينما اعتبر 7 في المئة فحسب، أن مساعدة الآخرين هدف ذو مغزى في حياتهم.
وإذا سألت الفلاسفة كيف يملأ الناس حياتهم بالمعنى، فعادة ما يشيرون إلى صورة ما من صور خدمة قضية أسمى من الذات. وقال «ويليام جيمس» إن المعنى موجود في الكفاح بلا كلل ولا ملل من أجل بعض المُثُل المقدّسة. وأما «سوزان وولف» فترى أن معنى الحياة موجود في الانخراط النشط في مشاريع مهمة.
لكن يبدو أن مفهوم «معنى الحياة» تغيّر. فعندما وصف الناس «معنى الحياة» في ذلك الاستطلاع، لم يصفوا القضايا الأخلاقية أو خدمة مجتمعهم أو حتى بلادهم، وإنما تحدثوا عن اللحظات التي شعروا فيها بأنهم محبوبون أو راضون أو يحسون أنهم بخير. ووصفوا انفعالات شخصية إيجابية. ومثلما أوضح أحد الأشخاص المستطلعة آراؤهم: «من السهل أن تنسى مشكلات العالم عندما تلعب مع ابنتك».
ويبدو الأمر وكأن الناس توقفوا عن النظر إلى الحياة على أنها ينبغي أن تتمحور حول رسالة محددة، تمثل دعوة للطريقة التي يرونها مناسبة لفعل الخير في العالم. ويبدو كأن كل شيء بات مختزلاً ويتمحور حول الذات.
وأضحى الانحياز لقضايا الحياة الأخلاقية، مثل الدفاع عن الحرية والكفاح من أجل القضاء على الفقر، مفقوداً بالنسبة لكثيرين. وصارت فظاعة اتساع المجتمع أمراً ثابتاً. وأفضل ما يمكن فعله هو إيجاد ملاذ صغير في عالم بلا رحمة. وقال أحد المستطلعة آراؤهم إنه وجد معنى للحياة في أشياء شديدة البساطة.. تلك الطبيعة محدودة النطاق، فيرى أن الاهتمامات الفردية البسيطة أو النباتات من الأشياء التي تسبب له السرور. وأضاف: «أحب أن أتمكن من التركيز على أشياء لا تكترث لي ولا للعالم الواسع من حولي».
وقد انتهيت لتوي من جولة استغرقت أربعة أشهر من أجل كتابي: «الجبل الثاني»، وتحدث لآلاف البشر، وقابلت بالتأكيد كثيراً من الأميركيين المتحررين من الوهم، كأولئك الذين تحدث عنهم استطلاع «بيو». لكن الشيء الأهم الذي قابلته كان فجوة أجيال مزلزلة. فالأشخاص في مثل عمري غاضبون من أن جيل الشباب بات مدللاً وضعيفاً من الناحية الانفعالية، لكن هذا الجيل، الذي يصفه المتخصصون بـ«زد»، في إشارة إلى الجيل الذي يلي جيل «الألفية»، ثائر أيضاً ضد الشغف الأخلاقي ومتمرد على «خصخصة الأخلاق»، وغيرها من الأمور التي ميّزت جيل طفرة المواليد في أميركا والجيل «إكس» من ستينيات إلى ثمانينيات القرن الماضي.
ومؤخراً، التقيت مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية من أنحاء الولايات المتحدة وأفريقيا شاركوا في برنامج «بيزوس» للباحثين. وفي محادثاتنا، لم ينسبوا هويتهم إلى الأماكن التي قدموا منها، أو حتى إلى عرقيتهم أو جنسهم. وإنما عرّفوا أنفسهم وفقاً للمشروع الذين يشاركون فيه، مثل خدمة الأميركيين الأصليين، أو السعي من أجل مياه نظيفة. وبالمثل، كان من المرجح بشكل عام أن يحدد طلاب الثانوية هوياتهم وفقاً للمواقف السياسية ورسالتهم في الحياة.
وقد توصلت أيضاً إلى أن طلاب الجامعة متلهفون إلى الحديث عن المشاريع الأخلاقية، وهو أمر غاب تماماً عن استطلاع «بيو»، لاسيما العمل الروحاني والنشأة في حياة مقدسة. ويبدو أن البعض قد أعاد اكتشاف مفهوم، دُفن منذ عقود قليلة، وهو تكريس الحياة لكي يصبح الإنسان أفضل. فذاتك الحالية ليست جيدة بما يكفي، وعليك أن تتحول للأفضل من خلال العمل الملائم.
وهو أمر غير مريح في كثير من الأحيان، وربما يفوق الاحتمال، لكن نحن محظوظون أن يكون لدينا تمرد ضد هدوء جيل الألفية واختزالها الأخلاقي. وأولئك المتمردون الصغار ربما «يحرقونا» بنيران التكفير عن خطايا جيلنا، لكن ذلك أفضل من العيش في مجتمع غارق في الوحدة والقنوط!
*كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/07/04/opinion/gen-z-boomers.html